Life of Pi ما بين الرواية والسينما والمسرح
- Malek Al-Qallaf
- Sep 12
- 2 min read
تأليف مالك القلاف - لندن

حين توجهت إلى مسرح (Dutch) في وسط لندن لحضور مسرحية (Life of Pi) كنت ممسوسا بسحر الفيلم السينمائي المقتبس من نفس الرواية، والذي صدر عام 2012م على يد المخرج التايواني (Ang Lee) ولكني فوجئت بتركيبة فنية مختلفة ومغايرة تماما، تركيبة جعلتني أصارع دهشتي وأغالب دموعي في آن واحد! العرض بطبيعة الحال هو اقتباس مسرحي مذهل وساحر للرواية الشهيرة التي كتبها الكندي (يان مارتل) والتي حازت على جائزة مان بوكر عام 2001م، حيث تحولت بعدها إلى الفيلم السينمائي الذي ذكرناه آنفاً. لكن في نظري إن ما يميز النسخة المسرحية هو قدرتها على تحويل قصة مليئة بالرمزية والتأملات الفلسفية إلى عرض حي ينبض بالحياة، باستخدام تقنيات مسرحية مبتكرة مثل الدمى العملاقة والإسقاطات البصرية، وأتحدث تحديدا عن دمية النمر! دمية عملاقة يحركها شخصان واضحان للعيان تماما ولم يجتهد المخرج لإخفائهما كما جرت العادة النمطية، ومع ذلك لم تكن ابصار المتفرجين تحيد عن الدمية! استخدام الدمى لتجسيد الحيوانات بشكل عام كان عبقريًا، ولكن حركة النمر كانت واقعية لدرجة أن الجمهور ينسى أنه يشاهد دمية، وليس حيوانًا حقيقيًا.


تدور القصة حول "باي"، وهو شاب هندي يجد نفسه وحيدًا في قارب نجاة وسط المحيط بعد غرق سفينة كانت تقل أسرته وحيوانات حديقة الحيوان التي كانوا يديرونها. يشاركه القارب نمر شرس يُدعى "ريتشارد باركر"، وتبدأ رحلة البقاء التي تتجاوز حدود الجسد لتغوص في أعماق الروح، المسرحية لا تكتفي بسرد أحداث البقاء، بل تطرح تساؤلات وجودية حول الإيمان، الحقيقة، والخيال. تبدأ بجملة: "سأروي لك قصة تجعلك تؤمن بالله"، مما يهيئ الجمهور لتجربة روحية وفكرية عميقة، ولربما لفت نظري في العرض كيف تم تحويل أرضية المسرح إلى محيط متحرك باستخدام تقنيات الإسقاط، مما خلق إحساسًا بالغمر الكامل في عالم القصة. ولربما من المنصف هنا أن أتحدث عن أداء الممثل الذي جسد شخصية "باي" والذي كان نابضًا بالحيوية، فنقل ببراعة مشاعر الفضول، الخوف، والأمل مما أضفى على الشخصية عمقًا إنسانيًا جعل الجمهور يتعاطف معه ومع النمر في آن واحد.
يكمن الاختلاف ما بين الإخراج المسرحي والسينمائي في أن الإخراج المسرحي كان مبدعا في طريقة ابتكاره لتفاصيل العرض رغم صعوبة التعامل مع هكذا نصوص مليئة بالفانتازيا الحسية، لكن العرض استطاع بإتقان الدمج ما بين التقنية وما تحمله من عناصر فنية وبين الرمزية بكل ما تحمله من سياقات معرفية. لقد استطاع النص الحفاظ على جوهر الرواية الأصلية ولكن مع إضافة لمسات مسرحية مؤثرة استطاعت بطريقة سلسة أن تصنع تفاعلا عاطفيا قويا بين الجمهور والقصة، خاصة في لحظات التأمل والانعطافات الدرامية.

رغم الإشادة الواسعة والرواج الأوروبي الهائل لها، لكنني لم أستطع التواصل كثيرا مع بعض المشاهد التي وجدت أن الرمزية الدينية والفلسفية فيها ثقيلة أو لربما غير واضحة، خاصة لمن لم يقرأ الرواية الأصلية. كما أن بعض التحولات السردية قد تبدو غامضة دون خلفية مسبقة، ولكن في نهاية المطاف هذا لا ينفي مطلقا فكرة أن مسرحية (Life of Pi) هي تجربة مسرحية فريدة تمزج بين الفن والتأمل، وتقدم قصة بقاء تتحول إلى رحلة روحية. إنها دعوة للتفكير في معنى الحقيقة، وفي قدرة الإنسان على التكيف والنجاة، ليس فقط جسديًا، بل نفسيًا وروحيًا أيضًا.
جهد جبار يا أصدقائي شكرا لنشركم مقالتي المتواضعة