top of page

قراءة فنية ونقدية لفيلم علاء الدين

كتابة فهمي فاروق فرحات، دراماتُرجيز


تمهيد


ree

قصة علاء الدين، إنتاج ديزني العالمي، نسخة حيّة (2019) مقتبسة ومُعَدّة عن فيلم الرسوم المتحركة (1992). سؤالي البسيط: هل أصلحت ديزني علاقتها بصورتنا كعرب في هذه النسخة… أم "جابوا العيد" كالعادة؟ سنقارب الفيلم عبر عدسة «الاستشراق» للمفكر الراحل إدوارد سعيد، ونفحص النصّ، والاختيارات التمثيلية والبصرية والموسيقية، ثم سأشارك ملاحظاتي المهنية ككاتب ومنتج ومخرج ذو خبرة سينمائية عملية في لوس أنجلس واللملكة العربية السعودية لأكثر من ١٨ عاماً.


في البداية، أحب أقول أن «الأسطورة» مساحة مفتوحة للخيال… ولكن لها مسؤولية حين تُعرِّف الشعوب ببعضها.



من ألف ليلة وليلة إلى علاء الدين


ree

الخلطة الثقافية في «الليالي» معروفة كنصّ مركّب جُمِع عبر قرون من الهند وإيران والعراق ومصر والأناضول، وتغيّر وتوسّع عبر الترجمة والشفاهة. وأقدم ذكر لفكرة «ألف حكاية» يعود إلى العمل الفارسي «هزار أفسان» (Hezār Afsān)، بمعنى «ألف حكاية»؛ وهي مجموعة قصص مركّبة شفاهيًا ومكتوبًا، بلا مؤلفٍ واحد محدّد، وفق ما يُجمع عليه أغلب الباحثين والذي أشارت إليه مصادر عربية مبكّرة ثم تُرجم وتشكّل عبر العصور إلى «ألف ليلة وليلة». هذه الخلفية تهمّنا لأنها تُشرعن المزج الثقافي الذي يقوم عليه الفيلم أصلاً. 


أمّا «علاء الدين» بالذات، فليس ضمن النواة العربية الأقدم لـ«الليالي»؛ دخل إلى أوروبا مع ترجمة أنطوان غالان (1704–1717) Antoine Galland بعدما رواه له الحكّاء الحلبي حَنّا ديّاب. كثير من الباحثين اليوم ينسبون الفضل الأكبر لصيغة «علاء الدين» لديّاب نفسه، ولا يوجد أي وثائق أو سجلات لنعرف هل قصة علاء الدين أبتكار دياب أم سمعها من الأولين وهل تم تحديها من قبل غالان عندما أدخلها الى المجلد القصصي. 


من مسلسل ألف ليلة وليلة (1987م)
من مسلسل ألف ليلة وليلة (1987م)

الاستشراق عند سعيد… وكيف يُقرأ الفيلم عبره


إدوارد سعيد يعرّف الاستشراق، بأنه منظومة تمثيل تصنع "شرقًا" خياليًا، غريبًا ومُتخلّفًا وساحرًا، في مقابل "غرب" عقلانيّ ومتحضّر؛ ويرى أنها إنتاج صورٍ تُقصي أهلها عن تمثيل أنفسهم وهذا ليس مجرّد زخرفة، بل بنية معرفة وقوّة تُنتج الفروق وتكرّس اللامساواة. 




وسؤالى لنا جميعا، هل تختلف معاير النظره الإستشراقيه عندما يكون المنتج الدرامي صناعة  أجنبية أو عربية؟ مثل مسلسل ألف ليلة وليلة بطولة شريهان وعمر الحرير وإنتاج التلفزيون المصري عام 1985 أو إذا نظرنا الى الكم الهائل من مسلسلات جحا وشعيب وغيرهم من الأساطير العربية التى تُجسد بألوان باهته وشخصيات كرتونية وعالم خيالي مليئ بالرقص والغناء. 


لقطات من شريهان في مسلسل ألف ليلة وليلة المصري
لقطات من شريهان في مسلسل ألف ليلة وليلة المصري

ومع هذا كله في الحسبان، نعود الى علاء الدين الأمريكي…


نسخة 1992: أمثلة صريحة على الاستشراق


ree

من أول لحظه في افتتاحية مع أغنية Arabian Nights حيث يقدم المغنى البلاد بأنهم: "يُقطع فيها الأذن

إذا لم يعجبهم وجهك" كانت مثالًا فجًّا على التوحّش المُتخيَّل؛ في كثر من النسخ التى تم توزيعها في الدول العربية تم حذف هذه الجملة وتحت ضغطٍ حقوقي عدّلت ديزني الكلمات عام 1993.


النسخه الكرتونية أيضا خلطُ اللكَنات والرموز بين الهندي والعربي والفارسي بلا سياق، مع "تغريب" سوق شرقي أبديّ، ثُبت كقالب بصري طويل الأمد في هوليوود كما يوضح أدورد سعيد في بحثه. 

نسخة 2019: هل تخلّصت من الاستشراق أم لطّفته؟


النسخة الحيّة بذلت جهدًا واضحًا لتخفيف الصور النمطية؛ على سبيل المثال، جرى تمكين شخصية ياسمين وإضافة طموح وعمق لها، مع تقديم أغنية جديدة بعنوان Speechless تفتح مسارًا سرديًّا يمنحها حضورًا ووكالة سياسية. هذا ليس غريبًا على مجتمعاتنا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث عرف التاريخ نساء بارزات في مجالات الحكم والرؤية والقيادة مثل الملكة زنوبيا وشجرة الدر وكليوباترا، وكذلك رموزًا دينية وعلمية مثل السيدة خديجة وفاطمة الزهراء وفاطمة الفهرية — وهي سيدة أندلسية الأصل أسست في القرن التاسع الميلادي جامع القرويين في فاس بالمغرب، الذي يُعد أقدم جامعة مستمرة في العالم. المقصود هنا هو استلهام روح القيادة والرؤية من هذه النماذج وليس المقارنة أو التشبيه بينها وبين الشخصيات الخيالية. وفي العصر الحديث لدينا أيضًا نماذج مُلهمة من نساء سعوديات بارزات مثل الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان (دبلوماسية وسفيرة المملكة في واشنطن)، الدكتورة غادة المطيري (عالمة وباحثة في مجال النانو تكنولوجي)، والدكتورة حياة سندي (عالمة ومستشارة في العلوم)، وغيرهن ممن يقدمن نماذج حيّة للقيادة والطموح والإنجاز.


كما تم تهذيب كلمات أغنيات مثيرة للجدل مثل Prince Ali حيث تم تغير "Sunday Salaam" الى "Friday Salaam" وأيضا جملة "لدية عبيد - He's got Slaves" الى "He's got ten thousands of servants and flunkies" وهذه مبادرات جميله وأقرب الى ثقافتنا وتدل على الثراء وليس العبوديه والتخلف.


كما شهدت النسخه الحية عدد كبير من الممثلين ذوي الأصول العربية والشرق أوسطية والجنوبية الآسيوية، لم تكن موجودة في النسخة الكرتونية، ولكن، كما سنرى، يظل المزج الحر بين ثقافات طريق الحرير سلاحًا ذا حدّين.


ree

بناء العالم: عقربة وشهرباد


الفيلم يضعنا في مدينة خياليه اسمها Agrabah. تاريخيًا، صرّح فريق 1992 أنهم بدأوا من بغداد، ثم غيّروا الاسم إلى Agrabah بسبب سياق حرب الخليج؛ وهذا يشرح لماذا تبدو المدينة عربية / هندية في آن، ومأهولة ببضائع وبشرٍ عبر موانئ التجارة القديمة. في 2019 احتفظت النسخة بهذا المزج بصريًا (عمارة، أزياء، رقص) لتصنع عالمًا "ما قبل قومي" أتخيل ميناء جدة في قديم الزمان كانت مشابه بصرياً وثقافياً، وهذا ذكي دراميًا وإن ظلّ إشكاليًا معرفيًا. 


اسم مملكة أمِّ ياسمين شهرباد Shehrabad تورية شفّافة على «شهرزاد/شهريار» مع لاحقة (ـباد) الفارسية / الهندو-فارسية بمعنى "مدينة" (كـ: حيدر آباد، إسلام آباد). هذا يؤكّد قرار الفيلم بتصوير ياسمين كمزيج عربي/ هندي، ويبرّر وجود  النمر "راجَـه" ذا الاسم الهندي الشهير. هذا المزج، متى صيغ بعناية، يفتح الخيال ولا ينتقص من أي هوية.


وبالمناسبة: توجد منطقه في المملكة العربية السعودية تسمى "العقربية" وكما أن «شهر آباد/شهراباد» فارسية الجذر كثيرة في إيران والهند والباكستان؛ لذا فالاشتقاق ليس بعيدًا عن جغرافيا المنطقة.

التمثيل والأداء


نظره سريعه على من هم الممثلين الدين شخصيات الفيلم:


مِينا مسعود (مصري / كندي) حمل ثلاثية الأداء (تمثيل / غناء / رقص) بثقة. وهذا ما يُسمّى في الصناعة Triple Threat ونادر في دولنا العربية لأن المسرح الاستعراضي ليس متينًا بما يكفي لصقل مثل هذه المواهب.

نعومي سكوت (بريطانية من أمٍّ غجراتية / هندية مولودة في أوغندا) تلعب ياسمين قادمةً من تراثٍ هندي–عربي ممزوج ويخدم فكرة المدينة الهجينة في الفيلم.


ree

مروان كنزاري (هولندي من أصل تونسي) يمنح جعفر بعدًا إنسانيًا لم يكن حاضرًا في الكرتون، ونوّمان آجار (ألماني من أصل تركي) يُثري شخصية حكيم.


نافيد نِقهبان (إيراني–أمريكي) سلطانٌ رزین؛ والجدل حول "إيراني يجسد سلطانًا عربيًا" يخفت إذا قبلنا فرضية الفيلم: العائلة الحاكمة «غير متطابقة» ثقافيًا تمامًا مع سكّان عقربة—وهو أمر مألوف تاريخيًا في منطقتنا (المماليك حَكموا مصر والشام قرونًا، والمغول–الترك حكَموا الهند في الدولة المغولية) وأمثله غيرها موجودة اليوم في دول جنوب شرق آسيا وشمال أفريقيا.


ree

الأمير أندِرس (Billy Magnussen) إضافة جديدة لشخصية أوروبية كاريكاتورية ترسل رسالة واعية أن المزج الثقافي، في الفيلم، ليس حكرًا على "الشرق"، بل حتى "الغرب" يُقدَّم هنا بوصفة خليطًا ساخرًا من إسكندنافيا وأوروبا الوسطى. وكما أن الجدل حول ضرورت الشخصيه في سياق القصه مشروع، لكنه، من زاوية إجتماعية درامية، وجود هذه الشخصيه خدمة تفكيك الصورة النمطية بأن العرب والهنود والإيرانيين كتلة واحدة لا تُفرّقها هوليوود. هنا يوضح لنا صناع الفيلم أن المزيج الثقافي مدروس ومحكم.


الموسيقى والكلمات: الاعتذار بالألحان


النسخة الحية تُبقي على روح النسخه الأصليه الكرتونيه مع تحديثات لافتة يعود الى آلان منكن Alan Menken وهو ملحّن أمريكي وضع الموسيقى التصويرية وألحان الأغاني للفيلم والكرتون. وهوارد أشمان Howard Ashman وهو كاتب وشاعر غنائي صاغ كلمات الأغاني واشتغل أيضًا دراماتورجيًا على الشكل الغنائي للشخصيات.


كما ذكرنا، حذف «barbaric» من «Arabian Nights» واستبدال «slaves» في «Prince Ali»، خطوة واعية نحو حساسية لغوية معاصرة. وإضافة Speechless أغنية تمكين مُضافة لياسمين ومفصل درامي يرفع صوت الشخصية ويمنحها حقّ الحكم. الأغنية كتبها بينجي بسيك Benj Pasek وجستن بول Justin Paul وتلحين منكن.


ree

بين الاستشراق ونفيه: أين يقع علاء الدين؟


أرى أنه يثبت الاستشراق عندما نرى "شرقًا" مبهم غير محدّد ثقافيًا وهذا إرث نسخهة 1992 الذي حاولة شركة دزني في نسخة 2019 تخفيفه لا إسقاطه. واكنه أيضا يتقدّم على الاستشراق عندما يمنح أصحاب المنطقة وجوهًا وأصواتًا حقيقية في أدوار أولى وثانية، ويصحح الأشكال المسيئة، ويمنح المرأة وكالةً سياسية وفنيّة ويستثمر محليًا في مواقع تصوير عربية. هذا تقدّم محسوب وتاريخي ولكنه ليس ثورياً.


إدورد سعيد
إدورد سعيد

بكلمات سعيد: "المشكلة ليست وجود الخيال، بل من يملك تعريف الشرق؟"


نسخة 2019 يخطو خطوة في الاتجاه الصحيح حين يشارك ممثلون من أصولنا في رسم الصورة، لكن السيادة الإبداعية لا تزال في يد استوديو أمريكي يخلط الثقافات على حسب فهمهم ومزاج السوق ولكن هل ممكن أن يتم إنتاج عمل شرقي فنتازيا على نفس مستوى مسلسل لعبة العروش Game of Thrones وينجح في خلق عالم خيالي ذو مزيج من الثقافات المختلفه؟ 




ملاحظات صناعية من منظور شخصي ككاتب ومُنتج:


مسلسل جحا و شهبندر التجار (1978)
مسلسل جحا و شهبندر التجار (1978)

الخطر الثلاثي (Triple Threat) هو لقب للأشخاص البارعين في الغناء والرقص والتمثيل. الفيلم يذكّرنا بأن الاستثمار في المسرح الاستعراضي هو أقصر طريق لصناعة نجوم ذو موهبة ثلاثية.


بناء العالم الهجين: فكرة عقربة كمدينة طريق حرير تُتيح تنوّعًا بصريًا وموسيقيًا، لكن تحتاج ميثاقًا بصريًا أدق كي لا ينقلب المزج إلى تشويش هوياتي.


إدارة الحساسية الثقافية: التعديل الغنائي درسٌ في الاستجابة الذكية للنقد، أفضّل أن تُدمَج هذه الحساسية مبكرًا في غرف الكتابة، مع مستشارين ثقافيين ذوي صلاحية حقيقية، لا تجميليّة.


اختيارات الممثلين: وجود مينا مسعود، مروان كنزاري، نُعمان آجار، نافيد نقهبان… مكسب حقيقي على الشاشة العالمية. المطلوب في المستقبل أن يتجاوز الحضور التمثيل إلى الكتابة والإخراج والإنتاج وفي موقع التصوير.


خاتمة


علاء الدين فيلم ممتع ومُتقَن الإنتاج، ومُبهج لرؤية هذا العدد من الوجوه "السمرا" والعربية "الشرقية" على شاشة عالمية. نعم، أثّرنا إيجابًا على ديزني لتُحدّث القصة وتبتعد جزئيًا عن الاستشراق الفج. وفي الوقت نفسه، علينا ألا نغار من أن "آخرين" حَكوا حكاياتنا بمهارة إنتاجية أعلى؛ بل نكسب الدرس وأن نستعيد حقّنا في تعريف أنفسنا ونبني منظوماتنا لنحكي قصصنا كما نحبّ وبالجودة نفسها أو أعلى. في النهاية، علاء الدين للمخرج جاي رتشي أسطورة وفانتازيا، جنّ يخرج من مصباح، سجّادة تطير، وناس ترقص في الشوارع… ومجالٌ واسع لخيالٍ مسؤولٍ يُكمل ما بدأه أجدادنا الشعراء والعلماء.



مراجع

ree

  • موسوعة بريتانيكا: تأريخ «ألف ليلة وليلة» وأصل «هزار أفسان». (Encyclopedia Britannica)

  • تايم: قصة حنّا ديّاب ودخول «علاء الدين» إلى أوروبا (واقعة بغداد الى عقربة). (TIME)

  • فوكس: السياسة الثقافية في «علاء الدين» الجديد ونقد إرث الاستشراق. (Vox)

  • لوس أنجلس تايمز: تعديل كلمات «Arabian Nights» (1993). (Los Angeles Times)

  • فانيتي فير: تحديث كلمات الأغاني وإضافة «Speechless»، وجدَل «الأمير أندرس». (Vanity Fair)

  • جوردان تايمز: تصوير مشاهد في وادي رم بدعم الهيئة الملكية الأردنية. (Jordan Times)

  • مجلة Ajam Media Collective 

  • مجلة AramcoWorld.



1 Comment


أمتعتني يا فهمي .. قراءة واعية وسلسة وممتعة

Like
bottom of page